حقيقة مسألة قتل الأخوة في التاريخ العثماني

حقیقۃ قتل الاخوۃ فی الدولۃ العثمانیۃ

حقيقة مسألة قتل الأخوة في التاريخ العثماني

تعتبر مسألة قتل الأخوة بعضهم لبعض طمعًا في السلطنة أحد القضايا التي تمثل جانب هام في الهجوم على التاريخ العثماني، حيث يتم دائما نسب الهمجية والبربرية لسلاطين وأمراء الدولة بناء على هذا الأمر. والحقيقة أن مسألة قتل الأخوة كانت مسألة “قانونية” موضوع لها قانون ضمن القوانين التي وضعها الفاتح والتي تنظم لمسائل الدولة الجنائية، وقبل شرح السند الشرعي والقانوني لمثل وجود هذه المادة ضمن القوانين والتي من الممكن أن تشكل “حيرة” للكثير من وجودها، نلقي نظرة على أنواع العقوبات في الإسلام؛ حيث أن القوانين العثمانية كلها كانت مستمدة من الشريعة الإسلامية -في الغالبية العظمى من حياة الدولة-. وللعقوبات في الإسلام أنواع ثلاثة:
أ- “الحدود” وهي عقوبات ذُكرت نصًا في الشرع بناء على الجرائم: (السرقة- شرب الخمر- قطع الطريق ‘الحرابة’- الزنا – الردة ‘مختلف فيه’ – القذف – البغي). ولها شروط طويلة كي تُطبق لا حاجة لنا لذكرها هنا.
ب- “التعزير”: الجرائم التي لم يرد فيها نص شرعي بعقوبة معينة، فلا تستحق إقامة الحدود، كتناول المخدرات والإتجار فيها، والدولة في هذه الحالة لها الحق في اختيار العقوبة المناسبة التي تراها.
ج- الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص، وعقوبتها هي القصاص أو الدية.
بعد هذه المقدمة القصيرة الموجزة، نورد النص الوارد في القانون العثماني الخاص بهذه المسألة مع شرحه: “إذا تيسرت السلطنة لأي ولد من أولادي فيكون مناسبًا قتل إخوته في سبيل تأسيس نظام العالم، وقد أجاز هذا معظم العلماء، فيجب العمل به.” ولشرح هذه المادة نقول: إن عقوبة الإعدام في كل نظام قانوني وحقوقي للمحافظة على الصالح العام، أي “نظام العالم” حسب تعبير القوانين العثمانية، أي لصالح “نظام المجتمع” بالتعبير الحالي. ويوجد في كل دول العالم في الوقت الحالي قوانين مماثلة بها عقوبة الإعدام لكل من “يعصي” الدولة، كما في القانون الجزائي التركي الحالي ما بيد المادة 125 والمادة 163، تقوم بالإشارة إلى عقوبة الجرائم المرتكبة في حق الدولة أي في حق “نظام العالم” بالتعبير العثماني.
والآن لنشرح كيف تأخذ هذه الأحكام أماكنها في الشريعة الإسلامية، وكيف يمكن ملاءمتها مع الحكم الوارد في قوانين “الفاتح”:
1- مسألة قتل الأخوة نتيجة تطبيق وإقامة حد “البغي”، أي حد العصيان ضد الدولة،  ويمثل المرتكز الشرعي الأول لمسألة القتل هو وجود جريمة العصيان بالخروج على الدولة “بالسلاح” وموالاة الأعداء، وتدخل هذه العقوبة في الإسلام ضمن جريمة حد “البغي”، والذي تتكون بنوده من محاولة الخروج على الإمام أو السلطان ومحاولة الإستيلاء على الحكم بالسلاح والقوة والمغالبة، أي وجود هدف العصيان بشكل واضح. ولا يجوز بناء على ما سبق التعرض لمن يخالف رأي السلطان بصورة سلمية،  أو لم يعلن عصيان مسلح، فإن أعلنوا عصيانًا توقع عليهم عقوبة الإعدام، أي في مصطلحات عصرنا هذا الإعدام لارتكابهم “خيانة العظمي”؛ وذلك صيانة للدولة. وقد عد “فقهاء” الدولة ومشرعوها كل تمرد بالدولة يؤدي للإخلال بالأمن العام وبـ”نظام العالم”، فسادًا وجريمة “بغي” القائمين بها يسمون “بغاة”، وأوضحوا في فتواهم بأن عقوبة هؤلاء هي الإعدام؛ ولو كان العاص شقيق السلطان أو ابنه. ونضرب مثال على الامتثال لهذه الأوامر الشرعية ما قام به السلطان “مراد الأول” مع ابنه “ساوجي” والذي سار على رأس جيش ضد والده متحالفا مع البيزنطيين، ووقع أسيرا في يد الجيش العثماني، وأسر السلطان على عرض أمره على علماء الشريعة وقضاتها، فحكموا عليه بالإعدام. أشفق رجال الدولة على السلطان من فاجعة قتل ولده، وتوسطوا لديه كي يعفوا عنه ويكتفي بنفيه، ولكنه أصر على تنفيذ الأوامر الشرعية وأمر بأن يقتل ابنه، وقتل بالفعل.

نموذج آخر من نماذج العصيان التي تم تنفيذ القانون فيها، هي إعدام السلطان سليم لأخويه، فأحدهما لجأ لإيران الصفوية -أكبر أعداء الدولة العثمانية- وتعاون معها ضد الدولة، والآخر كون مجموعة من العصابات المسلحة وأعلنا العصيان على الدولة.  وتوفت عناصر جريمة “البغي” الشرعية في النموذجان واكتملت أركانها فاستحقا العقوبة، ومثل هذه الحوادث تشكل المادة الأولى من قوانين “الفاتح” التي تسمح بإعدام الأخ الباغي أو الابن الباغي.
ومع أن هذا كان التفسير النظري لهذه المادة، إلا أن التطبيق العملي لم يُنفذ دائما بناء على التنظير، فقد وقعت عقوبة الإعدام على أبناء وأخوة السلاطين على الرُغم من عدم توفر الشروط اللازمة لهذا الإعدام، فإعدام طفل رضيع قطعًا أمرا لا يمكن تبريره ولا الدفاع عنه شرعا وعقلا -ولم يفعله الفاتح كما سنوضح لاحقا بإذن الله- في ظل الشروط الموضوعة لتنفيذ هذا القانون. ونعلم من الفتاوى الصادرة بأن نصف حوادث القتل وإعدام الأخوة والأشقاء، دخلت ضمن نطاق إقامة حد البغي، ولكنه للأمانة العلمية التاريخية “لم يكن كله صحيح مكتمل الأركان”؛ وذلك بسبب وجود شهادات الزور والرشاوي، بالإضافة لما يُعرفون “بفقهاء السلطان”، فأصدروا فتاوى بقتل أشخاص لا شبهة لهم في القيام بالبغي من قريب أو بعيد، ولعل أبرز الإعدامات ظلمًا بسبب الرشاوي والكذب هي إعدام الأمير “مصطفى” ابن السلطان “سليمان القانوني” . راجع الأمر هنا: حقيقة قصة قتل السلطان

ولعل نص الوثيقة الآتي والموجود في الأرشيف العثماني برئاسة الوزراء التركية حاليا، مثيرة للاهتمام والتي يتم من خلالها شرح من هم “البغاة” الذين يُطبق عليهم الإعدام: ” البغاة أي العصاة هم -كما جاء في كتاب الملتقى وغيره من كتب الفقه- أفراد أو فرد من المسلمين أعلنوا عصيانهم وتمردوا على أوامر الحكومة، فإن أصر المسلمون على البغي وعلى العصيان أعدموا. ولكن إن كانت هناك عقوبات أخف من الإعدام تؤدي إلى تهدئة الفتنة وتكون كافية يجب الأخذ بهذه العقوبة “. والشيء الملفت للنظر أن العلماء الذين شرحوا ‘الملتقى’ أعطوا معاني واسعة لجرائم البغاة، فقد عدوا جميع حالات التمرد على الأوامر المشروعة للسلطان، وكل إخلال للأمن العام أي لـ “نظام العالم”، وكل حركة تمرد وعصيان وفتنة وفساد وقتل الناس واغتصاب الأموال ومنع الحكومة من أداء أعمالها … عدوا كل هذه الحالات جرائم بغي. ” وبناء على هذا فلا يجوز شرعا قتل أي أحد بسبب شائعات وأقوال فلان أو علان. ونستطيع أن نذكر بناء على هذا الحكم الشرعي عمليات الإعدام التي تمت بناء على هذا القانون وهي : إعدام صاوجي بك ابن السلطان مراد الأول -ومذكورة الواقعة في نهاية المقال الأول-، إعدام “خليل” و”إبراهيم” شقيقا السلطان “مراد الأول”، إعدام “مصطفى” شقيق السلطان “مراد الثاني”، إعدام “كوركود” و “أحمد” شقيقي السلطان “سليم الأول”، إعدام “بايزيد” ابن السلطان “القانوني” وخمسة من أولاده.

ب- “القتل سياسة”، أو التعزير بالقتل: وهي في الحالات التي لا يتوافر فيها الشروط السابقة وعناصرها كلها، ولكن يرى أولوا الأمر في حالات معينة أنه لا ينصلح حال وأمور الدولة إلا بها، مثل القيام بأعمال شغب كبيرة وتكرارها أكثر من مرة، أو القيام “باللواط” والذي لا يمكن اعتباره جريمة زنا وفي نفس الوقت لا يجوز عدم اعتباره جريمة، وقد أجاز فقهاء المسلمون توقيع عقوبة الإعدام لمن اعتاد على ارتكاب هذا الأمر بصورة مستمرة أدت لاشتهاره به؛ للمحافظة على الأخلاق العامة، وصيانة للمجتمع، وهو ما يسمى في القوانين العثمانية بـ “القتل سياسة”. وينطبق الأمر في هذا الشأن على من يثبت عليه التدبير لإعلان عصيان على الدولة أو تفتيتها، أو الإخلال بوحدة أراضي الوطن، كما هو الحال في القانون رقم 125 في القانون الجنائي التركي في الوقت الحالي. ولقد تم استغلال هذا القانون كذلك بشكل غير عادل في أحوال، أدى لتوقيع العقوبة على أشخاص أبرياء لا ذنب لهم؛ مستغلين بذلك فتوى شرعية غير مكتملة الأركان لتحقيق مصالح شخصية.

وبناء على ما سبق، فإننا نذكر ملخص لكلام “ابن عابدين” الذي يعد من كبار علماء وفقهاء المذهب الحنفي -المذهب الرسمي للدولة العثمانية- المتأخرين في موضوع القتل عن طريق التعزير، فهو يقول: “قد يكون التعزير بالقتل أيضًا، فقد رأيت ابن تيمية يقول في كتابه “الصارم المسلول: ‘يذهب فقهاء الحنفية إلى أنه يجوز لأولي الأمر قتل المذنب إن تكرر قيامته باللواط، أو بالقتل دون استعمال آلات جارحة وما شابه من الجرائم. وقد حمل الفقهاء الحنيفيون عقوبة القتل عن طريق التعزير إن اقتضت تلك مصلحة العامة على تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة.’ ويطلق الفقهاء على هذا اسم “القتل سياسة”. ويسري هذا الحكم على اللصوص والنهاب وقطاع الطرق وسارقي الدكاكين والمخلين بأمن المجتمع والمفسدين والظالمين والمعاونين على نشر الفساد، وعلى كل من يقتضي إعدامه لحفظ المصلحة العامة” . وعلى عكس كثير من الادعاءات الخالية من الدليل، فجميع كتب الفقه وكذلك القوانين العثمانية تنص عل أن جميع هذه العقوبات لا تُنفذ إلا بعد إجراء المحاكمة وصدور القرار من المحكمة. والفتوى الآتية كذلك “لابن عابدين” توضح المسألة تمام الإيضاح: “سؤال: ما حكم من يقوم بالفساد وبالنميمة ويعين على ظهور الفساد في الأرض، ويوقع الشر والفتنة بين الناس، ويسعى لأكل أموال الناس بالباطل، ولا يتورع عن قتل الناس، والخلاصة أنه لا يتورع عن إيذاء المسلمين بيده ولسانه على الدوام، ولا يردعه أي شيء غير الإعدام؟ الجواب: إن تأكد هذا بشهادة جمع من المسلمين لا يمكن إجماعهم على الكذب فإنه يُقتل، ويثاب من كان وسيلة لذلك؛ لأنه دفع الشر عن عباد الله”.
ومن أمثلة هذه الفتاوى كثير جدًا، وكلها تقوم على شروط معينة بحيث لو تمت توافرها في الشخص القائم بها، يُحكم عليه بالإعدام؛ ونحن كما بيّنا سابقًا فإن كل عمليات الإعدام لم تكن على الدوام مطابقة لشروط هذه الأحكام الشرعية. ويمكن الإطلاع على نماذج من هذه الفتاوى بالمكتبة السُليمانية.

والسؤال الذي قد يطرح نفسه هو: هل كان هناك ما يبرر هذه التطبيقات من قتل في سبيل مصلحة الدولة؟
نقول أنه كان أهم خطر يهدد الدولة العثمانية وكيانها هو لجوء الأمراء إلى الأعداء، أو ادعاء بعض آل عثمان الحق في العرش والسلطنة، ورغبة الدول الأجنبية ولا سيما “بيزنطة” وإيران الاستفادة من هذه الفرص. وقد أدرك سلاطين الدولة العثمانية خاصة المتقدمين منهم أنهم مكلفين بنشر كلمة الإسلام وضرورة المحافظة على كيان الدولة التي تحمل لواء الدين، حتى وإن كلفهم هذا قتلهم لأبنائهم وأخوتهم. ولعل أبرز كلمة لسلطان عثماني توضح هذا المبدأ الذي أعتقدوه، هي كلمة السلطان “محمد الفاتح”: “إن المقصد الأعلى لهذه العائلة هي إعلاء كلمة الله”. ولكن للأسف أتى من بعده من نقض هذا المقصد.
والنتيجة التي نخلص إليها أن مسألة قتل الأخوة لم تظهر لتسهيل التصرف الكيفي للحاكم في قتل من تهوا نفسه أن يُقتل، بل لصيانة ما يعرف في الدولة باسم “نظام العالم” بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ويجب كذلك ألا ننسى أن عقوبة خيانة الوطن والتحالف مع الأعداء في كل نظام في العالم هي الإعدام.

وكانت عملية الإعدام تتم بعد تصديق السلطان عليها، وهي شرط من شروطها ولعل ذكر نص وثيقة من وثائق المتعلقة بمعاقبة الجناة يفيد توضيح هذا الأمر: “قبل محاكمة المتهمين، أو قبل ثبوت التهم الموجهة قانونيا، لا يجوز للمسؤولين القيام بتحصيل غرامات العقوب وإطلاق سراح المتهمين، كما لا يجوز لهم تطبيق أي عقوبة عليهم”. وحسب النتائج التي وصل إليها الباحث المدقق “عبد القادر أوزجان” فإن فتاوى “القتل سياسة” كانت تصدر من شيوخ الإسلام أو القضاة الآخرين مثل “سعد الدين” أو “بوسطانجي زاده” وغيرهم ثم يُصدق عليها من جانب السلطان؛ من أجل صيانة “نظام العالم” أي المجتمع.
فبناء على ما سبق فإن شرح وتوضيح الجانب العملي من هذا التنظير الفقهي الشرعي القانوني هو أهم ما في الموضوع. فمع وقوع حوادث “القتل سياسة” بكثرة في التاريخ العثماني على المواطنين أو رجال الدولة في بعض الأحيان؛ فإن سوء الاستغلال لهذا القانون شاب المسألة وأن قسمًا من الفقهاء والقضاة غير المؤهلين أعطوا قالب شرعي لمن يقوم بعمليات القتل هذه من قبل بعض السلاطين.    

وعمليات التمرد في تاريخ الدولة العثمانية من قبل الأمراء أولاد السلاطين تشغل حيز بارز في التاريخ العثماني، وقبل التفصيل فيه يجب التأكيد على أن إعلان تمرد أمير على أمير آخر اُعلن عن سلطنته، والمطالبة بالعرش بدلا منه، وتجميع القوات لتنفيذ هذا المطلب بالقوة هي جريمة عقوبتها الإعدام، فإن أعدم بعد عصيانه فذلك للعصيان الذي قام به، وإن كان قبل ذلك بعد توفر أدلة قوية ضده توضح نيته للقيام بذلك فهذا “قتل سياسة”، أما لو لم تتوفر أدلة ضده ولا قام بعصيان وتم قتله فهذا القتل ظالم. ولننظر إلى حوادث القتل التي تمت بناء على هذا المنظور:

أ- وقعت ثلاث حوادث قتل في عهد السلطان أورخان، وكانت عقوبات لجرائم البغي أي عصيان الدولة، ومن المعروف تاريخيا أم شقيقي السلطان وهما “خليل” و”إبراهيم” أعلنا العصيان ضد السلطان ودخلا في نزاع على السلطنة. كذلك في عهد السلطان “مراد الأول” -كما ذكرنا في المقال الأول- قام بقتل ابنه بناء على حكم شرعي بعد تعاونه رسميا مع “بيزنطة” وهجومه على الجيش العثماني، ووقوعه في الأسر.

ب- في عهد السلطان “يلدرم بايزيد” وقع أول “قتل سياسة”، ويُفترض بصورة ما أن شرط هذا القتل وعناصره لم تكن متوفرة، وأن أحتمال قتله ظلما أحتمال كبير. وشقيق السلطان الذي أعدم هو “يعقوب”، وذلك بوشاية ممن حول السلطان، دون أن يقوم هذا الشقيق بأي عصيان أو الدخول في أي نزاع على السلطنة؛ وذلك لحجة واهية وهي الحيلولة دون قيامه في المستقبل بشيء كهذا. ويؤكد المؤرخون العثمانيون على أنه أول أمير قُتل” في تاريخ الدولة من أجل “السلطنة”.

 جـ- فيما يعرف في التاريخ العثماني بعهد “الفترة” والذي يعد أكثر عهود الدولة اضطرابًا وفوضى، قام السلطان “محمد جلبي” المعروف بـ “محمد الأول” بقتل أخويه “عيسى جلبي” و “موسى جلبي” لقيامهما بالعصيان وتسيير الجيوش من أجل السلطنة، أي طبق عليها عقوبة البغي، والشيء نفسه ينطبق على إعدام شقيقه “مصطفى جلبي” فيما بعد، وهنا لا مجال للحديث عن “القتل سياسة”.

د- دخول السلطان “بايزيد الثاني” ابن السلطان “الفاتح” في نزاع طويل مع عمه “دوزمجه مصطفى” على السلطنة، فقام الأخير بالاتفاق مع “بيزنطة” على اقتسام المملكة العثمانية، وتحالف مع الإمبراطور البيزنطي بخصوص هذا، فألقي القبض عليه وأعدم.

هـ- قيام السلطان “سليم الأول” بقتل أخويه الأمير “كوركود”، و الأمير “أحمد”، فالأول قام بتجميع جيشًا وأعلن العصيان ضد الدولة، أما الثاني فلم يكتفِ بإعلان العصيان بل اتفق مع أعدى أعداء الدولة العثمانية، وهي الدولة الصفوية ضد أخيه.

و- الواقعة الأليمة الظالمة للأسف الشديد التي وقعت في عهد القانوني، وهي إعدامه للأمير “مصطفى” ابنه بناء على وشاية من بعض الخونة. وللمزيد حول الحادثة راجعها عبر الرابط الآتي: http://bit.ly/12qQExg

ز- المأساة التي وقعت بين السلطان “سليم الثاني” والأمير “بايزيد” ابنا السلطان “سليمان القانوني”، فعلى الرُغم من أنهما عاشا بوئام حتى عام 1558، إلا أن العلاقة قد ساءت بينهما فيما بعد بسبب شهوة السلطنة والحكم، وبسبب الوشاة الذين وقعوا بينهما، وذكر جزء من القضية في الرابط السابق. فجمع “بايزيد” جيوشا وتوجه لقتال سليمان، ثم فر بعد ذلك والتجأ إلى إيران التي قامت بتسليمه إلى سليمان، فأُصدر الحكم بإعدامه.

ح- السلطان مراد الثالث وكان رجلا ضعيفًا جدا، تدخلت النساء في عهده في الحكم بدرجة كبيرة، لدرجة وصول الأمر للجواري! وعلى الرغم من علمه الكبير وإتقانه للعربية والفارسية ونظم الشعر بهما، إلا أنه كان يحب النساء بشدة. وقد قام هذا السلطان بإعدام 5 من أخوته بناء على وشاية ممن هم حوله، وبناء على فتاوى ضعيفة لا تنطبق عليها الشروط كاملة.

ط- السلطان محمد الثالث ابن السلطان مراد الثالث، وكان رجلا أبعد ما يكون عن الأحكام الشرعية، فأمر بقتل 19 أخًا بريئًا و 30 بنتًا! وبالإضافة لهذا قام بقتل ابنه الأمير “محمود” نتيجة عن وشاية واهية ممن حوله.

ي- في عهد السلطان “أحمد الأول” جرى تغيير مهم في قضية نقل السلطنة، حيث نُص على تولي الحكم بناء على الإنتقال العمودي للنسب في السلطنة، أي الانتقال إلى أكبر فرد في آل عثمان، فعندما توفى السلطان أحمد الأول، خلفه على العرش ابنه الأكبر السلطان “مصطفى الأول”

حسنا نختم بمسألة قتل السلطان “محمد الفاتح” لأخوه الرضيع ذو الستة أشهر وحقيقتها.  وقبل الشروع في الرد، يجب التأكيد على أنه لا يمكن الدفاع عن شيء كهذا حدث أبدا، فمسألة قتل طفل رضيع تحت أي سبب مسألة غير مقبولة إطلاقًا، لذا سيكون ردًا علميًا بعيدًا عن أي مشاعر أو عواطف مرتبطة بحبنا لشخصية “الفاتح” رحمه الله.

يجب النظر إلى مسألة قتل الفاتح لأخيه الرضيع من عدة زوايا وتحليلها بناء على قانون قتل الأخوة السابق، فنقول:
1- هذه الفرضية حادثة مشكوك في صحتها، لأن قسم من المؤرخين -حتى الأجانب منهم الغير مسلمين- مثل المؤرخ الروماني “Cantemir” ذكروا بأن السلطان “مراد الثاني” والد السلطان “محمد الفاتح” عندما توفى كان كل أبناءه الذكور قد توفوا عدا الأمير “محمد”، ومن ضمنهم الأمير “أحمد” الذي كان واليًا على “آماصيا”. وفي هذه الحالة تنتفي صحة هذا الادعاء بأن الأمير أحمد قُتل وهو طفل رضيع.

2- هناك بعض المصادر التاريخية التي تؤيد وقوع هذه الحادثة، ولكنها تَذكُر أن قاتل الأمير “أحمد” هو شخص يُدعى “أفرانوس زاده علي بك” وأن السلطان الفاتح أعدمه بعد ذلك.

3- تذكر بعض المصادر بأن المربية التي كانت موكل إليها أمر العناية بالطفل الرضيع “أحمد”، انشغلت لبعض شأنها بينما كانت تغسله؛ فوقع في حوض الماء .. فمات مختنقا غرقا قبل أن تتداركه الأيدي التي امتدت لإنقاذه بعد فوات الأوان.

4- هناك بعض المصادر التاريخية التي تذكر أن السلطان “مراد الثاني” والد السلطان “الفاتح” أنجب من زوجته “خديجة خاتون” أميرًا اسمه “أحمد”، وانه قُتل بعد فترة قصيرة من ارتقاء “الفاتح” العرش، بيد أنه لا توجد تفاصيل حول هذا القتل، كالتفاصيل الموجودة في قتل إعدام الأمراء الآخرين، كما لم يُعرف بالضبط كم كان عمره عندما قُتل، عدا إشارة من المستشرق الألماني “فرانتس بابنگر” الذي قال بأن عمره كان ستة أشهر.

5- كانت الظروف التي أعتلى فيها السلطان الفاتح العرش ظروفًا شديدة الاضطراب في عمر الدولة خاصة بعد وفاة والده السلطان “مراد الثاني”، كما أن المؤرخين البيزنطيين والموالين لهم كارهي “الفاتح” اعتادوا الهجوم على السلطان بشدة وإلصاق أكاذيب حوله، فهم كثيرو الادعاءات الكاذبة.

وبناء على ما سبق، فليس هناك دليل تاريخي صحيح على صحة هذا الادعاء المنسوب للفاتح رحمه الله.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

Discover more from E-Islamic Books

Subscribe now to keep reading and get access to the full archive.

Continue reading